إضغط هنا للإطلاع على تقرير مفصل حول المناسبة
مرّ أسبوع على بقاء مها في بيت عمتها عبير.
نعيم، الصمت كان موقفه، وعبير تندب حظ مها، وتفكر في وسيلة لحل الأمر، تقلبت عبير في سريرها، ولم تستطع النوم، نهضت متجهة إلى غرفة مها، كان قبيل الفجر، عرفت عبير أن مها تكون مستيقظة في هذا الوقت، أما نعيم فقد أحس بعبير، فتبعها دون أن تعلم، أمسكت تمثال المسيح المصلوب وجلست بجانب مها التي كانت جالسة على سجادتها تدعو، قالت عبير: يجب أن تسافري، هذا هو الحل، السفر ليس الحل، لن أترك ابني وأرحل، لن يطلقك، ولن يتركك تأخذين عمادًا، وربما يؤذيك.
إذن، اعتنقي المسيحية، رمقت مها عمتها بنظرة مخيبة لها.
قالت عبير مبررة قولها: لا تنظري إليّ هكذا، أنت تريدين غسانًا وهو كذلك، وعماد بينكما.
عمتي، كيف لكِ أن تنصحيني أن أعتنق المسيحية، وأنت بنفسك تريدين أن تعتنقي الإسلام؛ لأن هناك شعورا داخلك يجذبك إليه.
عبير: سيغفر المسيح كل خطاياك، انظري إلى التمثال، لقد مات على الصليب فاديًا بعذابه ذنوب ومعاصي البشر، إنه المخلص.
ليس صحيحًا، أخذت التمثال من يد عمتها، هو بشر وليس إلهًا، فكل إنسان مسؤول عن ذنوبه ومعاصيه أمام الله، والمسيح لم يصلب، ولكن رفعه الله إليه، وسيأتي يوما، القرآن ذكر ذلك وهو الحق.
أنا لست مثلك يا مها، أنت قوية، لقد تبعت أمي في كل شيء حتى بعد ما أصبحت راشدة أردت أن أعرف شيئا عن دين أبي منعتني أمي، لم أناقشها، لم تكن لدي القوة، وربما لأن أمي كانت تخاف أن تفقد عائلتها مرة أخرى لأنها فقدتهم حين تزوجت بمسلم.
بعدها تزوجتُ نعيمًا وأنت تعرفين نعيمًا، وتصرفاته المشينة، فانطفى في قلبي البريق الذي كنت أريد أن أبحث عنه، واستسلمت، فأصبحت مؤمنة بالمسيح وأبحث في الكنيسة عن السلام.
أسباب واهية صدتك عن معرفة حقيقة الإسلام، وليس صحيحا أن نعيمًا أحد هذه الأسباب، فلم أرَ نعيمًا يذهب إلى الكنيسة وعلى الرغم من عيوبه فهو لم يتركك وحدك تواجهين الحياة ولم يتركك في منتصف الطريق وهو بإمكانه فعل ذلك؛ لأن لديه سببا وهو أنكِ لم تنجبي له، قالت عبير: هو يستغلني لأنه بحاجة إليّ كي أخدمه، قالت مها: غير صحيح، هو وفيّ وهذا ظني، بعدما عرفتِ نعيمًا تحسنين الظن فيه؟! هذا ما علمني إياه ديني، ولأنه استقبلني في بيته وهو غير مجبور على فعل ذلك، أمسكت مها يد عمتها وابتسمت وقالت: كل شيء سيكون بخير، ثقتي بالله كبيرة، قالت عبير: من أين لكِ هذه القوة؟ هي في داخلنا لا نخرجها إلا إذا تكالبت علينا الحياة.
اذهبي للنوم.
غصة باتت في قلب مها، فنعيـم الذي له من الأفعال ما تكرهها إلا أنه كان وفيًّا بعكس سعيد الذي نقض العهد وترك مها في منتصف الطريق ولم يلتفت لها.
الساعة التاسعة حين تسلل شعاع الشمس إلى غرفة مها فلامس عيناها انقلبت إلى الجانب الآخر، ولكن لم تستطع العودة إلى النوم فصوت العصفور أيقظها، نهضت، وضعت الحجاب على رأسها، سارت باتجاه النافذة، فتحتها، السماء صافية ولكن ليس كصفاء قلب مها الذي عكّرته الأحزان والأوجاع، صوت العصفور اقترب من مسامعها، أخرجت رأسها من النافذة، رأته يحاول أن يطير مع إخوته، هو لم يتعلم أن يطير بعد ولكن إخوته ينتظرونه، يطيرون مسافة قريبة ويرجعون إليه حتى يطيروا معا في النهاية.
مشهد علّمها الوفاء وألهمها فعلَ أمر لم تخطط له، بسرعة اتجهت إلى خزانتها، وخرجت من غرفتها، عبير لم تكن موجودة في البيت، قالت لمها قبل أن تخرج إنها ذاهبة إلى زيارة أحد المرضى، نعيم كان جالسًا على الكنبة، مرّت عليه، لم تنظر إليه أمسكت بمقبض الباب، أفلتت المقبض، استدارت، تقدمت إلى نعيم، نظرت إليه، وتلك أول مرة تفعلها، أما هو فأخفض رأسه وعيناه تنظران إلى الأرض، وتلك أول مرة يفعلها، عمي نعيم، نظر إليها حين سمع تلك الكلمة التي استبعد نعيم أن تقولها، لقد كنتَ كريما معي، وعماد، أريدك أن تمسك بيده وتأخذه إلى المسجد، لم يتفوّه بأي كلمة، وهل بعد الوصية كلام، هذا ما شعر به نعيم، وصلت إلى العمارة التي فيها بيتها، نظرت إليها كأنها أول مرة تنظر إليها، صعدت، فتحت الباب بالمفتاح الذي كان معها، شعر بها غسان، أخفى المسدس الذي كان معه، كانت حالته مزرية، سألته عن عماد رد عليها: لا أعلم، غسان أنا مستعدة أن أنتظرك حتى تعرف حقيقة الإسلام، فإن اعتنقته كنت لك وإلا فكل منا يذهب في طريقه، وهل أنت مستعدة للتعرف على حقيقة المسيحية ردت: لا.
صرخ في وجهها: أنت أنانية، لا، لست كذلك، أنت من أوصلنا إلى هذا، وأنت تعرفين السبب، أنت خالفت دينك من قبل، لن يضرك إذا خالفته مرة أخرى، ألم تقل إن المسيح سيغفر خطايا البشر؟، لا، لن أفعلها مرة أخرى، أرجوك يا غسان، أنت سندي، وعماد بحاجة إليك، أرجوك فكّر، وأنا معك، لن أتركك، يكفي، صرخ بقوة، إذن طلقني، وأعطني عمادًا، لأربيه، ضحك غسان قائلا: حتى تتزوجي غيري، ليس لك حق في ما أفعله، نهض وحمل المسدس في يده وصرخ مرة أخرى قائلا: بل أنت لي وملكي.
غسان ما هذا؟ صوبه على رأسه
غسان ستهلك نفسك، اتركه، لن أستطيع أن أؤذيكِ، ولن أستطيع أن أراكِ مع شخص آخر، ولن أستطيع اعتناق الإسلام، فالموت هو الحل. لا يا غسان، مها تترجّاه، عماد بحاجة إليك، أرجوك أرجوك، التقت عيناه، وعيناها، تقولان الكثير بلا حديث، اقتربت منه تحاول أن تمنعه، أمسكت يده لتأخذ المسدس منه ولكنه دفعها بقوة إلى الجدار، شعر أنه قد أذاها، فنظر إليها، وقعت على الأرض، أسرع إليها والمسدس في يده لم يستطع أن يلمسها، فالدماء ملأت الأرض، وغرق جسد مها، وضع المسدس على رأسه بدون تردد، وأطلق رصاصة أنهت حياته، سقط على الأرض، وتمدد عليها، واختلطت دماؤهما، جاءت الشرطة بعدما أبلغ أحد الجيران أنه سمع صوت إطلاق نار في شقة غسان.
هل كانت حربا بين دينين؟ أم بين زوجين؟ أم حربًا باسم الحب؟ الذي فيه كل شيء مباح.
مها قادت حربًا باسم الحق الذي لا يختلف فيه اثنان، الحق في اختيار الزوج، والحق في اختيار الدين، والحق في رعاية ابنها.
دُفنت مها في مقابر المسلمين، ودُفن غسان في مقابر المسيحيين.
ما الخطأ الذي أنهى حياتهما السعيدة؟ هل المكان الذي التقيا فيه؟ أم لا دخل للمكان، فالقصور يأتي دائما من البشر، جمعتهما الحياة بقدر من الله وفرقهما الموت بقدر من الله.
كل الحب يتلاشى، إلا حب الله، فإنه يبقى إلى نهاية الحياة، وبعدها، هكذا واجهت مها الحب الذي تكنّه لـغسان، فليس لبشر حق أن يخطف قلب مها الذي ملأته بحب الله.
نبني أسوار القوة في قلوبنا؛ لأن فرسانا في حياتنا، فذاك أخي من نفس الرحم الذي خرجنا منه، وذاك زوجي الذي سيكمل معي دربي في الحياة.
ما أصعب وأقسى تلك الجفوة التي تأتي من الأقربين في وقت نحن بحاجة فيه إليهم، أقدارنا قد كُتبت، ولكن الله خيرنا. غريبة تلك الظنون التي تراود عقول الرجال اتجاه المرأة. أبو سعيد عبس وجهه حين رزق بمها ظنا منه أنها حمل ثقيل على كاهله، ولم يعلم أن أغلب الرجال الذين سقطوا في الفراش لم يجدوا من يرعاهم إلا تلك الفتاة الذي اسودّ وجهه حين سمع بخبرها، أما سعيد فقال في نفسه إن مها فتاة ذكية عقلها كبير وقلبها أكبر يمكنها أن تتصرف في رحلتها ونسي أن هناك أناسا عقولهم صغيرة وقلوبهم مليئة بنزعات الشيطان، نعيم هدد مها أن تستسلم لأنها في تعيش بيته، لكن قوتها لم تستسلم لضعفها لكونها وحيدة.
وغسان كان واثقا من حب مها له، فأراد أن يجرّها إلى دينه، نسي أنها قوية وحب الله أقوى من أي حب.
أنا ذاهب إلى المسجد، قال نعيم.
نعيم الذي كان يتخبط في حياته لم يكن مؤمنًا حق الإيمان بالمسيح، فبالنسبة إليه الإيمان بالمسيح تقليد في العائلة، على عكس عبير التي كانت حياتها في سلام بسبب الإيمان أو ربما أنها كانت توهم نفسها بذلك.
بعد الحادثة ذهب نعيم إلى الكنيسة لأخذ عماد، وبالطبع الكنيسة وافقت على إعطائه عمادًا؛ لأن نعيم مسيحي أو ربما لا تريد الكنيسة أن تدخل في مشاكل بسبب ما حدث لغسان وزوجته، نعيم اعتنق الإسلام ذاك الفجر حين تبع عبيرًا وسمع حديثهما هي ومها، لم يكن عاديا بالنسبة لنعيم، فكلمات مها عن حقيقة المسيح حركت شيئا بداخله، وأشعلت ضوءا أنار طريقه لمعرفة الحق، فهداه الله، ليست الكلمات وحدها التي قادته بل المعاملة الحسنة التي أظهرتها مها لنعيم
أين عماد؟ قال عماد: أنا هنا في الخارج
لمَ أنت في الخارج، قال: أنتظرك لنذهب معا إلى المسجد، ألا ترى يا جدي أنك لا تستطيع أن تنزل وحدك السلم، يجب أن أمسك بيدك، غرقت عينا نعيم بالدموع وهو ينظر إلى عماد الذي كان يشبه أمه، ليس في الشكل فقط بل في تلك القوة التي طالما أظهرتها مها وهي تواجه تلك الأوقات العصيبة بمفردها.
هيا يا جدي أمسك يدي، قال عماد ابن الخمس السنوات، عبير اعتنقت دين والدها، وعاشت بقية حياتها في منزل والدها مع الذكريات القليلة التي تحاول أن تسرقها من زوايا المنزل، وترسم لوحات في تلك الجدران لكل اللحظات التي تمر عليها مع عماد لتكون ذكرياته الجميلة في ما بعد.
أما سعيد فلم يستلم الرسالة التي أرسلتها مها تستنجد به؛ لأنه غادر المنزل الذي كان يقيم فيه ولم يرد على الاتصالات التي أجرتها مها، لذلك لم يعرف بوفاة أخته إلا بعد أسبوع، ولو أنه اتصل اتصالا واحدا يسأل عن حالها لعرف كل شيء.
أريد أن أكون تلك الرقيقة في نظرك، فلا تجبرني أن أظهر نصفي الآخر، سنغدو أنا وأنت تحت التراب، فدعنا نعاهد أنفسنا أن نبقى على الود دائما وتبقى قلوبنا تخاف الله.
إضغط هنا للإطلاع على تقرير مفصل حول المناسبة
تصميم و تركيب واستضافة السيّد: أولاد الحاج إبراهيم إبراهيم بريد إلكتروني: ohbrahim@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة