إضغط هنا للإطلاع على تقرير مفصل حول المناسبة
مرّ على هذه الحادثة أسبوع، قررت مها ألا تبقى وحدها في البيت، فذهبت مع عمتها إلى الكنيسة على الرغم من أن مها رفضت الذهاب حين طلبت منها عمتها الذهاب معها الأسبوع الماضي، لبست هندامها الأسود ووضعت الحجاب على رأسها، دخلت العمّة إلى الكنيسة بينما انتظرتها مها خارجها، بعض الفضول جعل مها تختلس نظرة إلى الداخل، لم تطل النظر، عادت إلى مكانها. وشابٌ يراقبها من قريب، تسمّر مكانه، ينظر إليها إلى أن خرجت عمتها من الكنيسة.
إحساس غريب شعر به الشاب حين رأى مها، وشعور لا يوصف بالكلمات ولا المعادلات ولا تفسير العقلاء وأهل المنطق، خفق قلبه حتى أنه لم يسأل عقله لماذا لا تدخل الكنيسة في كل مرة تأتي، تقدم نحوها، مرحبا، نهضت بسرعة، أشعة الشمس كانت في عينيها، حجبت رؤية وجهه، تحركت قليلا لتراه.
الشمس!
ردت: عفوا؟
الشمس تقترب منكِ، أنصحكِ أن تجلسي في ذاك المكان، لن تصل الشمس هناك، نظرت مها إلى الشاب، أطالت قليلا من دون أن تشعر، ارتبكت، سارت إلى المكان الذي أشار إليه، نظرت إليه مرة أخرى، حركت شفتاها تريد أن تشكره لم ترفع صوتها قائلة: شكرا، تريد أن ترضي ضميرها، أما هو ورغم أن كلمة شكرا لم يسمعها إلا أنه فهمها من حركة شفتيها، فرد: عفوا، بصوت مرتفع، أخفضت رأسها، وابتسمت ابتسامة لم تزر وجهها منذ مدة.
هل جننت؟ تريد الزواج من مسلمة؟، أحببتها يا صديقي، هي ستتغير لتصبح مثلي، صديقه: هي لم تدخل الكنيسة، وهذا دليل أنه من المستحيل أن تكون مثلك، ساعدني أرجوك.... أرجوك ..... حسنا.
إن الحب جعلك مجنونًا، انتظر عبيرًا حتى خرجت من الكنيسة، مها لم تحضر؛ لأن نعيمًا خارج المدينة، أسرع إليها وهي خارجة، سيدة عبير، نعم، أنا غسان، أريد أن أتقدم للزواج من الفتاة التي كانت تجلس خارج الكنيسة، مها أليس كذلك؟
أنت تعرف الكثير، قالت عبير، أعتذر، أنا سمعتك تنادينها، وأنا أعرف أنها مسلمة، يجب أن نسأل عنك، وهي يجب أن تعرفك حتى توافق، فالقرار قرارها، اسألي عني مها تعرفني، تعرفك؟ ردت عبير مندهشة، قولي لها صاحب النصيحة وهي ستفهم.
دخلت عبير غرفة مها وهي مستلقية تقرأ كتابًا، كيف حالك؟ عدّلت مها هيئتها، عمتي، أنا بخير، ولكن أريد أن أعرف ما بعد كيف حالك؟ أنت ذكية وشقية، صاحب النصيحة طلبك للزواج، نظرت مها إلى عمّتها واحمرّ خدّاها، إذن تعرفينه؟ هي مرة واحدة كنتُ في الخارج، وتحدث معي قليلا، ما رأيك؟ بماذا؟ ردّت مها، مستنكرة، كنت قبل قليل ذكية، لا أدري ولا أعرف عنه شيئا، اسمعي، أنا سأعرف عنه كل شيء، وبعدها قرّري.
مرّ أسبوع على طلب غسان، ذهبت مها مع عمتها إلى الكنيسة كعادتها يوم الأحد، كان يوما مشرقا، هبّت نسمة داعبت حجابها هذه المرة غير كل المرات، فـمها ليست مجبرة للذهاب مع عمتها إلى الكنيسة بسبب نعيم بل من أجل شيء آخر شعرت به، لم تعرف مصدره، هل مصدره عقلها الذي أشار عليها أنه يجب التعرف عليه عن قرب وتسمع حديثه مع عمتها أم قلبها الذي صار يخفق في كل مرة تتذكر وجه غسان أم لا دخل للعقل والقلب في كل هذا، وإنما ذاك الحب الذي غرقت مها فيه، كلما اقتربت من الكنيسة خفق قلبها، ها هو يلوّح بيده إليهما، ارتسمت ابتسامة على وجه عبير وحرّكت مرفقها على خاصرة مها من دون أن تنظر إليها، أما مها فالخجل بدا على وجهها، غسان أنت هنا؟ قالت عبير، هز برأسه، مها أنا سأدخل ورمقتها بعينها، توترت مها حتى أنها كادت أن تدخل مع عمتها الكنيسة، صوت جاء من داخل مها يخبرها أنها يجب أن تواجه هذا الموقف بقوة وحزم؛ لأنه متعلق بحياتها، موقف المفترض أن يواجهه أبوها الذي رحل أو أخوها الذي رفع يده عن هذه المسؤولية.
تم الأمر. زواج لم تشعر مها بتفاصيله الصغيرة ولا الكبيرة كونها تسكن مع أسرة مسيحية، كل تلك الأمور تبدلت حين شعرت بالأمان مع غسان، وكبر الحب بينهما، سعادة لم تتخيل أن تعيشها مرة أخرى، وبسرعة كبيرة وجاءت فرحة أخرى تزين حياتهما حين رزقا بـعماد بعد ثلاثة أشهر من زواجهما، وها هو أصبح عمره عامين، كانت مها كثيرة الزيارة لـبيت عمتها، وعـماد تعلق بعبـير الـــتي كان يناديها جـدتي، حتى نعـــيم أصبح لا يخرج من البيت وهو يعلم أن عمادًا سيأتي.
تعالي اجلسي، تنهّد، أريد أن أخبرك أمرا.
حسنا، قل.
أنا أحببتكِ من أول مرة رأيتك فيها
ما بك؟ لقد قلت هذا الكلام من قبل
ارجوكِ لا تقاطعيني
لكي أتزوجك خالفت ديني
غسان! قالت متعجبة
أرجوكِ، لا تقاطعيني، أنا كنت متأكدا أنكِ لن تتزوجي بي، لذلك ادّعيت أني مسلم، وفي الحقيقة أنا مسيحي.
غسان، هل تمزح معي؟ همّت بالنهوض قائلة: كفاك مزاحا، وهيّا نحضر عماد من بيت عمتي، أوقفها قبل أن تنهض، وقال لها: أنا لا أمزح، وضعت كلتا يديها على كتفيه وهزته، إنك تمزح معي، صرخ في وجهها، أنا مسيحي وأحب ديني.
نهضت، وضعت يدها على جبينها والرعد يدوي بصوته في الغرفة والبرق يضيئها ومطر غزير كـغزارة دموع مها كيف لم أعلم؟ كيف؟
لقد خططت لكل شيء أنا وصديقي، وكـنت حذرًا لأقصى حد، اسمعيني، اعتنقي المسيحية سنكون معا.
ولماذا أنت لا تعتنق الإسلام؟
قالت مها: وأنا لا أريدك أن تهلك.
كان نقاشا طويلا وعقيمًا، وفي النهاية صرخت قائلة: لن أبقى هنا معك إلى أن ترجع إلى رشدك، سأذهب إلى بيت عمتي، أمسك بيدها، عماد ليس هناك، استدارت نظرت إليه، هو في مكان آمن.
مها: أين؟
صرخ في وجهها: هو في مكان آمن، اسمعي أنا الرجل وعليك أن تتبعيني، لن أتبعك في معصية، صفعها، ارتجفت يده، فخرج وأقفل الباب عليها، لن تخرجي، ولن تري عمادًا إلا إذا اعتنقت المسيحية، جلس على الأرض يبكي ويلعن يده التي مدها في وجهها.
كان ليلا طويلا قضته مها في غرفتها، وقضاه غسان في غرفة المعيشة، كان فجرا حين استيقظت مها لتصلي على الرغم من أنها لم تنم إلا قبل الفجر بقليل، فتحت النافذة سقطت قطرات كانت عالقة تنفست لتشتمّ رائحة التراب الممزوج بماء المطر، أحست بالثقة والطمأنينة، فالأرض انتظرت وجاءها الفرج على هيئة مطر، أما غسان فلم يستيقظ إلا في الساعة الثامنة، فهو الآخر لم يذق طعم النوم إلا في وقت متأخر.
لم يفتح الباب؛ لأنه لم يستطع أن يراها حزينة تبكي وتقلب له المواجع، اكتفى بطرق الباب ليطمئن على حالها ويخبرها أنه ذاهب الآن ويجب عليها أن تفكر بالأمر إذا كان عماد يهمها.
حبسها ثلاثة أيام قضتها في البكاء على عماد الذي اشتاقت إليه، وغسان الذي كسر قلبها نصفين، قضتها في سجادتها التي لم تطوِها، ورسائل سعيد التي كان يرسلها، وحين أعادت قراءتها بكت أكثر من ذي قبل لأنها فقدته وهي بحاجة إليه والآن ستفقد زوجها وهي بحاجة إليه، أشفق غسان ففتح الباب قائلا لها: يمكنك أن تذهبي إلى بيت عمتك، نظر إلى عينيها التي طالما غرق فيهما، أمسكها من معصمها وركبا السيارة.
وصلا إلى بيت عمتها وهي تبكي وهو غرقت عيناه من الدموع يحاول أن يمسكها من أن تقع هو في مقعده وهي كذلك، مرت فترة على هذا الحال على الرغم أنه أوقف السيارة منذ مدة نزلت من السيارة كأن الوداع يشرف على القدوم وقصة الحب لم تكمل النهاية، هكذا تحدثت عيناهما حين نظرا إلى بعضهما من خلف زجاج السيارة، كل منها غارق في أفكاره، تلك الأفكار التي ربما تتشابه وتؤدي إلى النهاية السعيدة نفسها التي تأملها كل واحد منهما.
إضغط هنا للإطلاع على تقرير مفصل حول المناسبة
تصميم و تركيب واستضافة السيّد: أولاد الحاج إبراهيم إبراهيم بريد إلكتروني: ohbrahim@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة