إضغط هنا للإطلاع على تقرير مفصل حول المناسبة
لقد جهّزتُ الجوازات وبعض الأوراق الخاصة بالسفر، واليوم استلمتها. لماذا خطر على بالك السفر إليها بعد كل هذه السنوات لماذا رحلتْ أختك؟ إنها في بالي دائما، ولكن الظروف كانت معاكسة، وحالت دون لقائها. فبعد رسالتها الأخيرة التي تلقيتها منها قبل خمس سنوات قائلة فيها: أرجو أن تحاول زيارتي؛ لأني لم أتمكن من زيارتك فكرتُ في زيارتها مع بعض، والتعرف إليها. أعادت مها سؤالها لماذا رحلتْ أختك؟ .. للجواب على هذا السؤال لا بد أن أقص عليكم الحكاية من البداية.
تزوج أبي بأمي في عمر المراهقة -إذا صح القول في ذلك الوقت- فأمي كانت في الخامسة عشرة، وأبي كان في الثامنة عشرة، ولم يرزقا بمولود بسبب وجود علة عند أبي تمنع الإنجاب، وظلت هذه العلة ملازمة لأبي. حاول علاجها بطرق عديدة، وبعد عشر سنوات ولدت و في السابعة من عمري ، قرر أبي الزواج من امرأة أخرى رأها ، فأحبها من أول نظرة، وهي بادلته الشعور نفسه. عرف بعدها أنها جاءت إلى هنا مع أهلها لزيارة أحد أقربائهم، تزوجها بدون موافقة أهلها؛ لأنهم كانوا رافضين أن تتزوج ابنتهم من مسلم. نادية الفتاة المسيحية التي جاءت إلى بيتنا. أمي لم تكن لها حيلة في هذا الأمر غير الرضى بما قدر الله وشاء. وشاءت الأقدار أن تحمل نادية بعد ثلاثة أشهر من زواجها بأبي. لم يتوقع أبي حصول ذلك؛ لأنه وأمي حاولا الإنجاب، ولكن فشلا، إذ مشيئة الله فوق كل شيء. رُزِقْتُ بأختٍ، أتذكر أني كنت أكثر شخص فرح بالخبر، حتى أكثر من أبي ونادية. كنت ألعب مع الصغيرة عبير ، وأمي ترمقني بنظراتها الحادة ونادية كذلك. وأعتقد أن تلك النظرات إذا اقتربتُ شبرا لاشتعلت شرارة؛ فتفجر البيت كله. بلغت أختي عبير الخامسة، وتوفي بعدها أبي. وبعد ثلاثة أيام من الحداد رحلت نادية مع ابنتها إلى بلادها.
مشتاق إليها كثيرا، سنسافر بعد أسبوع وأرجو منكما حتى بعد موتي ألّا تقطعاها؛ فهي التي بقيت من الأرحام. ضرب بكفه على فخذ سعيد، وقال له: وأنت أيها الشاب أوصيك خيرا بأختك -أطال الله في عمركما-. قالت مها_
خططت مها
لهذه الزيارة المفاجئة وبدت الحماسة عليها. تفاصيل صغيرة تناقشها، ساعة مع أبيها، وساعة مع أخيها، وأخرى مع أمها، حتى أنها بدأت بتجهز حقيبة السفر ثم تحسب كم بقي من الأيام على الرغم من أنها عدت الأيام قبل قليل. وضعت يدها على جبهتها -متذكرة أمرًا ما- يجب أن أسأل أمي أمرا ما، قفزت من سريرها مسرعة منادية أمها: أمي أمي -يا لني من حمقاء- تتمتم متجهة إلى المطبخ، تسمرت في مكانها لبرهة، ثم رجعت تنادي: أمي أمي، لكن هذه المرة ليس من أجل أن تسألها، بل لإيقاظها كانت ممددة في الأرض، والدم ينزف من جبهتها. صرخت بصوت عالٍ مرة ثانية وثالثة، ودموعها اختلطت مع دماء أمها، رشتها بالماء ثم بقطعة بصل محاولة إيقاظها. رجعت تنادي أمي أمي لم تسمع صوت الباب حين فُتِحَ. ماذا حصل؟ جثى أبو سعيد على ركبتيه، ووضع رأس زوجته على حجره محاولا إيقاظها. مها تبكي حين قالت له: يجب أن ننقلها إلى المستشفى بسرعة.
استلقي على السرير، فالطبيب أَمَرَ لكِ بالراحة. سأحضر لكِ بعض الطعام. دخل سعيد، الحمد لله على سلامتك يا أمي، جلس قليلا إلى جانبها، ثم نامت، فخرج من الغرفة. وقف إلى جانب أخته التي استوقفها حال أبيها، ونظرت إليه، والحزن يكويه، حين رفع أبو سعيد رأسه، همّ الاثنان بالانصراف. ناداهما وقال لهما: غدا منذ الصباح سنذهب إلى المدينة لعمل بعض الفحوصات لأمكما
ركبا الحافلة. قبل ذلك عانقت مها أمها عناقا حارا؛ ربما لأنها المرة الأولى التي تغادر فيها أمها البيت، وليست الابنة حين كانت تغادر البيت ذاهبة إلى الجامعة، وأوصت أباها أن يرعاها. أما سعيد فقبّلهما ولوّح بيده لهما.
الساعة العاشرة. توضأتْ فنزلتْ بعض القطرات الطاهرة من وجهها، فرشت سجادتها فسجدت والتصق جبينها بالأرض، رفعت ثم خفضت. أطالت في السجود رفعت كفيها للدعاء.
مها الفتاة المسلمة التقية التي انطلقت من قريتها الصغيرة إلى عالم واسع مليء بالتحديات والإغراءات وبأناس مختلفين، ستخالطهم وتأخذ وتعطي معهم. حين دخلت الجامعة تعلمت الكثير واطلعت على كل ما يخص الإسلام؛ ما جعلها تتمسك بكل فرض وسنة وفضيلة دعا إليها الإسلام. كانت من المتفوقات، تناقش الأساتذة؛ وهذا الذي دفعهم إلى جعلها تدخل مسابقات وتشارك مع الجامعات.
إضغط هنا للإطلاع على تقرير مفصل حول المناسبة
تصميم و تركيب واستضافة السيّد: أولاد الحاج إبراهيم إبراهيم بريد إلكتروني: ohbrahim@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة
التعليقات على المقالة 1
انفال نجيمة قسم 2م1 18/5/2024